الخميس، 25 سبتمبر 2014

تخيل لو ( 29 ) | للصديقة نسرين إسماعيل @nisreanismael







حطّت بي الأحلام على جزيرة نائيةٍ عن كل شيءٍ إلا أنا، كم هو جميلٌ هذا العالم وهو فارغٌ!
تحسّست حقيبة يدي..وجذبتُ إلي عُمْراً ذهبياً على هيئة ورق، استندتُ إلى جذع نخلة اخترتها عشوائياً من بين مئاتٍ من أخواتها اللاتي يطوقن الجزيرة كعقد أخضر، كان الوقت يقترب من الغروب، أخذت أتأمل فيما حولي من فراغ ممتلئ، قلت في نفسي: كم هو ضيقٌ هذا العالمُ بنا، بائسٌ بخطواتنا على وجهه، نحن الغُصّة.

ما بين ومضةٍ وأخرى كنت ألتفتُ إلى الكتاب لأقرأ الطنطاوي وأعود وأرتفع برأس أثقلته المعلومات المتوالية من أسطر ليست بالكثيرة، يا الله كيف لرجل واحد أن يعرف كل هذا؟أن يخوض كل هذا؟ أن يجرب كل شيء؟!

نظرت أتأمل في البحر، فتذكرت كلمات الشيخ "في لج البحر"وهو يصف الموت وكان قد شارف عليه ورآه بعينيه، تذكرت قوله: (والموت أبداً أبعد شيء في أفكارنا عنا)، كان لابد أن يكون له أكثر من موت لأنه عاش حيواتٍ كثيرة، قطع تأملي صوت موجةٍ عالية، فعدتُ إلى الكتاب.. 
وكأن الصفحة أكملت سلسلة التفكير التي بُتِرت، وأخذتُ أرتحل في لغز الحياة وأحجية العمر واستفهام السنين, يقول: 
"وَأنا أصرف العمر في قطعِ العمر وَ أجعل أكبر همّي إضاعة يومي، كأنّي أعطيتُ الحياةَ لأعملَ على تبديدها" <==صفحة 244  

مرَّ أسبوع.. كنت قد زرت فيه الشام والعراق ومصر ولبنان وغيرها، شهدتُ مشاهدَ قبل وجودي، وأحداثٍ قبل وجوده، دهشتُ من لحظات وضحكتُ على نهفات الشيخ ونكاته، وتوقفت كثيراً لأعيد أسطراً بغية حفظها لبساطتها وبلاغتها.

طويتُ صفحة الغلاف الاخيرة،وفي نفسي شيءٌ منها، ليتها لم تأتي بعد، ليتها لم تكن أبداً!
حان موعد الرحيل، ولم أكن قد عرفت من تلك الجزيرة إلا جذع نخلة وزاوية واحدة للبحر.
سيكتبُ عني في جريدةِ الغدِ أنني أول شخص يزور الجزيرة وحده، ولكن أنا فقط من يملك الرواية الحقيقية، لم أكن وحدي ولم أكن في الجزيرة، ولعلني لم أكن أنا! 


بقلم الصديقة:
نسرين إسماعيل.
 @nisreanismael

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق