الخميس، 10 أبريل 2014

الموضوع: تخيل لو ( 21 ) | بقلم الصديق @mlek26

 
 
 
 
 
أشكركم على طلبكم مني بكتابة مقال في مدونتكم الرائعة
 أخوكم : عبدالملك الميموني.
 

 
 

 
 
 
استيقظت بنشاط متفائلًا بهذا اليوم الجديد، وكما أفعل كل صباح، فلقد ألقيت بهموم الأمس في الأمس، لدي حياة طويلة مليئة بالمفاجآت والأحداث، علي أن أتعلم منها ﻷمضي قدمًا، اغتسلت و جهزت كوبًا ساخنًا من القهوة، التقطت الجرائد وبدأت بالقراءة، يا إلهي ! مازالت جرائدنا المحلية تمارس نفاقها وكذبها اﻻجتماعي، والجرائد العالمية مازالت تنشر المزيد من الأخبار المروعة، أهكذا أبدأ يومي ؟؟

 لم أحتمل قراءة المزيد من تلك الأخبار التي ﻻ نفع منها سوى تعكير المزاج، أمسكت إحدى الروايات التي أحبها، و بدأت بقراءتها، سحرتني الكلمات فلم أستطع تركها لثانية واحدة، صفحة وراء صفحة، مرت الساعات وكأنها دقائق، لم أشعر بمرور الوقت، القصة تتحدث عن صديقين أحبا بعضهما منذ الطفولة، لم يكن هناك ما يفرق بينهما، عاشا أيامًا جميلة تعلما معنى الصداقة والتضحية والوفاء، على الرغم من سوء الأحوال والمواقف التي مروا بها، لم يزحزح ذلك شيئا في جسر صداقتهما، حتى أتى ذلك اليوم الذي سرق فرحتهما، فلقد مرض أكثرهم طيبة بمرض يستحيل النجاة منه، حاول الأطباء علاجه، ولكن دون جدوى، فقد الجميع الرجاء من شفائه حتى والداه رضوا بالأمر الواقع، ما عدا صديقه الوحيد الذي لم يفقد اﻻمل و كان يدعو كل ليلة بشفاءه، ويجلس معه في سريره بالمستشفى لساعات طويلة، ويقرأ له قصصهم المحببة، ويضحكه بحركاته الصبيانية البريئة .

لم يفكر ولو لثانية واحدة أنه سيفقد صديقه، بل استبعد ذلك تماما، أصبح يأتيه بعد صلاة العصر يوما بعد يوم، حاملًا في وجهه كل علامات الفرح والتفاؤل بيومه الجديد، منتظرًا تلك المعجزة التي يقولون أنها ربما ستحدث و يشفى صديقه العزيز من مرضه العضال، وفي كل يوم يأتيه بقصة جميلة يقرأها له، ويتخيل أنه أحد أبطالها، يأخذه الحماس أحيانًا فيبدأ بتمثيل الدور امامه، تارة يصبح قرصانًا يبحث عن كنز ثمين، أو محاربًا يحاول إنقاذ أميرته من براثن تنين شرير، أو محقق ذكي يحاول اكتشاف آثار الجريمة ويمسك بالجاني، وتنتهي مسرحياته عندما ينتهي وقت الزيارة، وتأتي الممرضة التي أصبحت تعرفه لكي تخرجه من الغرفة، يعود للمنزل لكي ينام بسرعة لعل الوقت يمضي ليزور صديقه مرة أخرى، في اليوم التالي اشترى كرة صغيرة وجلبها معه للمستشفى، وصل كعادته لغرفة صديقه ولكن هذه المرة كانت خالية، سأل الممرضة عن صديقه، فلربما نقلوه لغرفة اخرى، تلعثمت قليلا وحاولت التهرب من الإجابة وعدم النظر إليه مباشرة، وبعد إلحاح منه أخبرته أنه توفي هذا الصباح وستأتي عائلته ﻻستلامه ودفنه غدًا، لم يستوعب ما قالته، فكلمة الموت مستبعدة من قاموسه، عاد لمنزله وبيده الكرة، أغلق عينيه ونام سريعًا، لعل ما حدث كان كابوسا و سيستيقظ ليجد صديقه أمامه، في اليوم التالي أيقظته أمه ليتجهز للذهاب الى منزل صديقه، و يؤدي واجب العزاء لوفاته، لم ينطق كثيرًا، فما زال يأمل أن يستيقظ من هذا الحلم المزعج، ذهب لمنزل صديقه الممتلئ بالمعزين، ليجد والد صديقه يبكي كالطفل على وفاة ابنه، عزاه و عاد سريعا لبيته فلم يتحمل مشاهدة ما يحدث، دخل غرفته وجلس على سريره صامتًا، التفت ليجد الكرة التي أراد إهداءه إياها بالأمس، أمسكها وانهمرت دموعه فلقد استوعب أنه لن يرى صديقه مرة أخرى، مرت الأيام وكبر الفتى ليصبح طبيبًا ناجحًا في حياته ولكنه لم يستطع ان يملأ الفراغ الذي يسكن قلبه، ولم يستطع أصدقاؤه الكثيرون محو ذكرى صديق الطفولة من عقله، انتهت القصة ببقاء الطبيب وحيدًا في شقته المتواضعة يرتشف قهوته كل صباح، يحلم بذكرى الطفولة، وينظر لتلك الكرة الصغيرة.

أغلقت الكتاب، وكما أفعل كل صباح، ارتشفت قهوتي بهدوء ، وتأملت تلك الكرة الصغيرة .
 
 
بقلم الصديق:
عبدالملك الميموني
@mlek26
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق